الدعوة قبل أي شيء هي
حب، فالواجب على من يدعو أخاه ، أو التي تدعو أختها أن تحبها ، وأن تشفق عليها ،
وأن تظهر حرصها وحبها لك ، وقد كان النبي من الأنبياء يصرح بحبه وحرصه على قومه
فيقول لهم: " وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ " ( الأعراف :68) ، فحين يرى المدعو
خوف الداعية عليه ، يترك هذا مردوداً نفسياً فيه ، فإن كان غيره يخاف عليه ، فكيف
لا يخاف هو على نفسه، وإن كان الغير يحب له الخير، فكيف لا يحبه هو لنفسه.
وقد تعجبت فاطمة بنت
الخطاب من أخيها عمر –رضي الله عنها- قبل أن يسلم ، وقالت له : كيف يغيب عنك هذا يا
ابن الخطاب؟
فلابد من تلمس نقاط الخير في الناس ، وإظهار حقيقة أنفسهم أمام
أنفسهم ، فكم من الناس يرى الإنسان فيه قائداً في الخير ، فيجب تنمية هذا الإحساس
عنده .
وفي دعوتك الأخت
لأختها بالحجاب، أرى أنه لا يكون من باب المباشرة ، وإنما تجب الصحبة الطيبة ،
والمعاشرة الكريمة، والسؤال عنها دائماً ، وتفقد أحوالها ، حتى يصل الأمر إلى درجة
من الحب ، وأن تثق فيمن يدعوها ، وأن ترى فيها الصاحبة التي تتمناها ، فإن وصلت إلى
هذا ، فقد وصلت إلى درجة الحب بينهما ، فتجد الأخت في نفسها قبولاً للكلام ، فإذا
وجد الحب بين الداعية والمدعو ، انتقل الداعية بالمدعو إلى حب الله _سبحانه وتعالى_
، وتذكير المدعو بنعمه وفضله وكرمه ومنه عليه ، وأن يأخذ من حياة المدعو الشخصية
نماذج لكرم الله عليه ، وأن يذكره به ، حتى يوصل الرابط الذي انقطع بينه وبين الله
، وحتى يذكر المدعو بالعبودية بالله _سبحانه وتعالى_ .
فإذا استشعرت الأخت
أنها أمة الله ، وأن عليها طاعة الله _سبحانه وتعالى_ ، فتكون قد مهدت لأن تتقبل
أوامر الله _تعالى_ ، وأن تعيد ما انقطع من وصال الطاعة بينها وبين الله ، وأنها
حين تلبسه ، فإنما تطبق قوله _تعالى_ لرسوله _صلى الله عليه وسلم_ :" يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ
وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رحيما" (الأحزاب :59)
وفي هذا السبيل أيضاً تضرب
الأخت الداعية نماذج لأخوات محجبات يمثلن قدوة للنساء والفتيات في التفوق الأخلاقي
والعلمي والثقافي والمهاري، فإن الإنسان بطبعه يميل لمن هو خير منه ، ومن هو متفوق
عليه في كثير من مجالات الحياة ، وأن الحجاب لم يكن يوماً مانعاً من التفوق في
الحياة ،و لا من أن تتمتع الفتاة بحياتها، وفق ما رسم لها القرآن الكريم ؛ لأن
كثيراً من الأخوات يرين أن الحجاب مانع لهن من ممارسة الحياة العامة، والمشاركة في
الأنشطة الاجتماعية والحياتية ، فكان من الواجب أن تزال الشبهات المثارة حول الحجاب
،ولو من طرف خفي دون مباشرة ، إلا إذا كانت هناك تساؤلات للأخت التي لا تلبس الحجاب
، فتكون الإجابة لها مباشرة .
كما أنه من الواجب في
هذا المقام أن يظهر الحجاب كما رسمه القرآن الكريم والسنة النبوية ، لا كما ترسمه
العادات والتقاليد ، وأن يراعى في هذه الحال التيسير لا التعسير ، فتعرف الأخت أن
الحجاب في الإسلام ليس له هيئة واحدة معينة، بل الواجب على الفتاة والمرأة المسلمة
أن يتوافر في ثيابها الشروط الشرعية للحجاب من كونه فضفاضاً واسعاً ، لا يصف ما
تحته ولا يشفه، وأن يكون ساتراً ، وألا يكون ثياب شهرة ، وفي هذا نوع من التيسير؛
لأن الإسلام يراعي أن لكل بيئة ثيابها ، وقد لبس النبي _صلى الله عليه وسلم_ الجبة
اليمانية ، والقبطية وغيرهما ، ولم يأمر الصحابة أن يكون لهم زي موحد ، ولا أمر
الصحابيات أن يكن لهن ثياباً واحدة ، بل في ذلك سعة ، وأن الإسلام لم يأمر بلون
واحد ، كالسواد ، وإن كان هو من أفضل ثياب المرأة ، فحسب الثياب أن تستر العورة ،
وأن تحافظ على هيئة المرأة المسلمة.
ومن وسائل الدعوة إلى
الحجاب معرفة حكمته ، وأن الله _تعالى_ شرعه ستراً للمرأة المسلمة ، وصوناً لها ،
وإعلاء من شأنها ، وألا تكون سلعة رخيصة تتطاير إليها الأعين والألسن والجوارح، بل
تكون محفوظة لزوجها ، مصونة في بيتها ، فإن خرجت لم ينظر إليها أحد، لما يرى من
التزامها بأمر ربها .
وأن تفهم الأخت أنها
إنما تتحجب لله _تعالى_ طاعة لأمره ، وأن يصل الأمر إليها أن تفعل ذلك حباً لله
_تعالى_ ، لا قهراً أو كسراً، فإن الطاعة يجب أن تكون بالحب في المقام الأول.
وأن تفهم الداعية
لأختها للحجاب مواطن التأثير فيها ، فكل إنسان له مواطن يؤتى من قبله ، ولا بأس
بالهدية الطيبة ، ويمكن بعد استشعار الأخت الداعية أن أختها المدعوة قد اقتنعت
بالحجاب أن تهديها حجاباً ، تشجيعاً لها أن تلبسه ، وتطييباً لخاطرها وقلبها ،
فالناس أسرى الإحسان .
[/b][b][b]وقبل كل هذا أن تكون
دائمة الصلاة والدعاء لله تعالى أن يهديها وأن يشرح صدرها ، وأن تفهم الأخت الداعية
أن الحجاب ليس نهاية المطاف ، ولكنه خطوة في الطريق إلى الله تعالى[/size]