مر عشرون خريفا من عمرى وأنا بظلام دامس....أتخبط خبط العشواء....أعيش اللحظة ولا أنظر الى المستقبل فرح بشبابى
وأظن بأنى خالد من بين الناس الموتى ...عشرون خريفا مروا لا أحس للدنيا طعما...المال كثير...اخلائى كثير...ماذا ينقصنى؟ فى
نفسى جوعة...وفى صدرى ضيق..ماذا يشبع تللك الجوعة؟ومن ذا يشرح هذا الضيق؟ لم تشبع نفسى قط معازف...لم تشرح
صدرى ملاهى....على العكس تماما فالجوعة زادت...والضيق ازداد...بدلت أخلائى...سافرت وعدت...سهرت كثيرا...ولهوت
كثيرا...وتعبت...والجوعة دائما تزداد.والضيق كذلك...أحسست كأنى مسجون فى دنياى وان الارض برحابتها ضاقت...نفسى دائما
تشكو جوعتها..جوعة لم يشبعها مال الارض...صدرى دائما يشكو ضيق لم تشرحه ملاهى الارض...فكرت كثيرا وطويلا
وأخيرا...ظهر الحل...الأن أشعر بالراحة...وسأشبع جوعة نفسى...وسأشرح ضيق صدرى...هذى سكينى بيدى...تلمع باسمة...
الناس هجوع...والاهل نيام...لم تبقى سوى لحظات...وأعيش ساعات الراحة..لكن...وأنا فى تلك اللحظات وسكينى بيدى تقترب من
قلبى الميت...جاء من اقصى الصمت صوت يسعى ويقول..اللة اكبر اللة اكبر....سقطت سكينى من يدى...وتحرك قلبى
الميت وكأنه كان بغيبوبة واستيقظ بعد طول سبات ...ويح نفسى...مذا جد؟ أغريب هذا الصوت؟ عشرون خريفا اسمعه...أما احسست معناه الا الان
وشرعت أحقق رغبة نفسى باجابة هذا الصوت...وبدأت فى الوضوء...أسلت الماء على وجهى المرهق...فارتاح....وأراح براحته نفسى...خرجت الى الشارع متجها الى المسجد..لا صوت يعلو ولا ضوضاء...دخلت المسجد مع بداية صلاة الفجر....وقفت فى الصف مع الناس...طراز من الناس لم أعهده ...بحياتى...يشع منها نور...ونفوس طيبة مرتاحة.....تقدم من بين الناس امام..أقبل عليهم بوجهه يحثهم على تسوية الصف...استوقفنى وجه الرجل...وجه أبيض...تحيط به لحية سوداء كثة...تزيد الوجة جمالا...وكأن هذا الوجه وهذى اللحية...بدر أبيض...بديع المنظر فى كبد سماء سوداء زادته حسنا وجمالا...بدأ الرجل صلاته...وشرعت اصلى خلفة...ونفسى مرتاحة....وصدرى مشروح...بدأ يقرأ ايات...وأنا أنصت...فى تلك اللحظات...نزلت دمعة...احسست ملوحتها...وشعرت بلسعتها...تبعت تلك الدمعة غصة....نزلت دمعة ...تبعتها دمعة...تبعتها عبرات....أجهشت ببكاء صادق....صنع فى نفسى أزيزا كأزيز المرجل...وكأن هذا الرجل استمطر قلبى بكلام اللة...فنزل المع غزيرا...وسال على خدى....وسقى ارض جدباء فى قلبى الميت..فأحيا بهذا المع بعد كلام اللة موت فؤادى...وكان بمعية هذا الغيث صوت الرعد...رعد الرحمة...صوت نحبى وبكائى من خشية رب الناس